تزدحم الأفكار في العقول، وتنكسر المبادرات في بداياتها إن هي فقدت المعنى من وجودها، هذا المعنى الذي أساسه جرعة أمل في بلوغ الهدف، وعمق يقين بإحداث الفارق من وراء الفعل، فإن ما كان الأمل غائبا عن الفرد أو المجموع إلا انطفأت جذوة العمل، وما بُثّ في فكرة ومشروع إلا انقدحت شرارة الفعل وأينعت أزهاره…

ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل… ما أجمله من قول، وما أعذبه من مفهوم حين يتجسد واقعا لدينا، فما أحوج الأمة حاليا لمن يشد بيدها وينير لها دربها فواحا بأريج الأمل، فـ “إنسان الانتظار” (*) قد ملّ انتظار الإنسان دون فرج، و”رجل النصف” (*)، بقي حبيس نصفه لم يبرحه ليجد ضالة أو يحقق كرامة، أو يحصّل مكسبا، ليأتي نخبة ممن نحسب فيهم “شباب الواجب” (*)، قد بصموا والتزموا بالتغيير نحو الأفضل بما هو أفضل.

هي منصة إلكترونية بعنوان “باب أمل” تحت شعار: بداية التغيير الإيجابي، جاءت إسهاما لبث الإيجابية في مختلف الأوساط العربية، وفرصة حقيقية للتعاون على البر والخير، والمشاركة في إعلاء صوت المبادرات، وإشاعة خيرها ليتعدى الحيز الجغرافي الضيق، والكلمة الطيبة كالغيث يصب على الجميع دون انتقاء، وكذا الأفكار حين تجد طريقها كالماء البارد يسقي رواء كل ظمآن، ويدفع بذهنية الفعالية نحو الأمام، يؤسس به لجيل يرفع همه بنفسه ولا يلقيه ثقلا على غيره، لا يحسن إلا الشكوى والبكاء.

“باب أمل” هو مبادرة طيبة كريمة، أخذ على عاتقه معاني الدعم بإحسان للدفع بأثر المبادرات تنويعا وتوسيعا، فالفكرة تطرح هناك من الجميع، لتلقى المشاركة والإثراء من ذوي الاهتمام الواحد، لينزلوا بها إلى الميدان كل في بيئته ومحيطه، إذ ربما يقترح الجزائري فكرة، وترى النور في الإمارات العربية المتحدة، وكذا العكس، وربما يلقي السعودي بطرف خيط الفكرة، ليتلقفها التونسي ويضيف إليها إضافة بناءة، ثم بعدها تجد الإرادة للتجسيد في مصر، وهكذا الإبداع لا حدود له ولا مكان ولا زمان.

شخصيا أعتبر فكرة “باب أمل” استثمار أمثل للتقنية، واستخدام أفضل لرصيد الإبداع الهائل في الإنسان العربي عموما، كما هو فرصة ذهبية لإعادة اللحمة والوحدة، ولتعزيز العلاقات والدفع بها نحو أفق رحب، أساسه التعاون الافتراضي، وأثره التجسيد الواقعي، فأنصح كل شخص له عقل ولّاد ألا يستهين بأفكاره وليطرحها في “باب أمل” من باب الصدقة الجارية، ومن جانب آخر من قبيل التعلم والتدرّب والاحتكاك بغيره من المبدعين.

تقنيا نجد الموقع مريحا للتصفح، تجذبك لأول وهلة تلك الأعلام الخافتة للدول العربية مصطفة تنتظر مرورك بالمؤشر عليها لتضيء، وفي ذلك إشارة لضرورة قيامك بالمبادرة والتحرك إن أردت تقدما لوطنك الأضيق والأوسع، فقد أحسن المبرمجون اختيار الأيقونات، واستفزوا في المتصفح فضوله ليدخل البوابة ويبدأ العمل فيها من الوجه المبتسم دائما وبجانبه عبارة “ابدأ الآن”!

هذا عن الواجهة الأولى، أما بعد الدخول الفعلي للموقع فهناك الحركية وصوت العقول -رغم صمتها- تعتصر لتلقي أجود ما لديها من إبداع رهيب حقا، فقد تجولت في أفكار من يتفاعل في “باب أمل” وتيقنت من ثبوت فرضية “الإنسان” حينما يعزم على التحرك يتحرك ولا شيء يوفقه، المهم أن تكون حركته إيجابية نحو السبيل الأقوم، ولك أن تجرب وتلقي نظرة على ما هو موجود لتكتشف بنفسك صدق أو زيف ما رأيت.

بعيدا عن المجاملة والتهويل أو السقوط في مستنقع التهوين، فالقائمون على الموقع وفروا مقاييس لتقييم الأفكار سلبا أو إيجابا، ليتم ترشيح الغث من السمين بطريقة آلية من المتفاعلين، وفي هذا محكّ مفيد كون المجموع غالبا ما يكون رأيه الذي يميل إليه أقرب للصواب في مثل هذا النوع من الترشيح، ليحتد التنافس الشريف بين الشباب من مختلف البلدان العربية لملء بنك المعلومات والأفكار المسمى “باب أمل”.

نتعمق أكثر ونقرب المجهر لنكتشف المزيد من الخيارات في المشروع، فالفكرة حينما يكتب عنها صاحبها وصفا ملمّا، يأتي التفاعل معها بإثرائها ونقدها بالتعقيبات الإيجابية كما هو موضح في أيقونة التعليق “أضف تعليقا إيجابيا” لتأخذ شكلها بدقة وتقف على أرجلها الوقفة الصحيحة لتسير نحو التفعيل، كما يمكن مشاركة الفكرة عبر شبكات التواصل الاجتماعي الشهيرة، لاستدعاء المزيد من الداعمين والمؤمنين بها.

يمتلك الناشر ملفا متكاملا يملأ خاناته كما يشاء، ويمكن له تصنيف أفكاره لثلاث فئات هي: (اجتماعي عام، اقتصادي تنموي، حكومي تطويري) وهذا لسهولة الأرشفة وسرعة الوصول للمعلومة المستهدفة، وكذا ليسهل التواصل معه، لمن أراد الإسهام بما استطاع في ما يعجبه ويعتقد بإمكانية تقديم الإضافة فيه، كما للموقع أيضا نظام للمكافآت والجوائز يجري تطويره حاليا بالتنسيق مع الرعاة، والذين بدورهم يمكنهم تقديم الطلبات على أساس الإيمان أولا بالفكرة ثم أيضا يكون المقابل عرضا تسويقيا، إذ يرافق شعارهم الصفحات الراعية لها.

ماذا بعد الأفكار؟ سؤال لاشك أن الكثير ممن يسأله وهو أمر مشروع ومعقول، وجوابه موجود إذ يلتزم فريق عمل “باب أمل” وبمجلس استشاريه إيصال الأفكار التي حازت نسبة كبيرة من التأييد والقبول لدى زوار الموقع ولديهم، لصناع القرار في البلدان العربية، سواء كانوا جهات رسمية أو خاصة، كما أن هناك المزيد من التفصيل في الموضوع في [هذه الصفحة].

أخيرا… تخيل/ي معي “باب أمل” وغيره من المبادرات على هذا المنوال بعد مدة زمنية وقد صار مرجعا ومنطلقا لمشاريع ميدانية تشع نورا وتقدما وتطورا من أقصى المغرب إلى المشرق، فلنساهم في أمثال هذه المبادرات بتفعيل ما فيها من أفكار ميدانيا، وإلا فبإضافة أفكار جديدة علّها تجد من يقوم بها، وإلا فبنشر الموقع ومشاركته بين الأصدقاء في الفيسبوك وتويتر وغيره، وذلك أدنى ما يمكننا فعله.

فلنبادر، ولنكن إيجابيين قدر المستطاع، ميسرين غير معسّرين، مبشرين لا منفرين… ويقول حبيبنا وقدوتنا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في حديث قدسي عن الله عز وجل: “طوبى لمن خلقته للخير وأجريت الخير على يديه”.

—————————————-

(*) إنسان الانتظار، ورجل النصف، وإنسان الواجب، مفاهيم كتب فيها وطوّرها المفكر مالك بن نبي رحمه الله، وقد قام بتيسيطها الدكتور جاسم سلطان حفظه الله في هذا المقطع [للمشاهدة]

– التدوينة كتبتها في إطار خدمة (كتابة المراجعات) عن طريق موقع خمسات.