الكتاب خير جليس في الأنام إن كان مفيدا وقيّم المحتوى، ويزيد اهتمامنا بأي كتاب كلما عالج تخصصنا وميولنا أكثر أو على الأقل لامسه، هذا من جانب المحتوى، أما المظهر الجمالي وأقصد به هنا الغلاف فهو موضوع آخر تماما لم يكن مطروحا في القديم إلا أنه يفرض نفسه فرضا في عصرنا.

لو أسأل أي شخص عن ما يجذبه لاقتناء هذا الكتاب أو ذاك حينما يكون في جولة بمعرض ما وبعدما يفرغ من البحث عن عناوين محددة كان قد نصح بها، فالأكيد سنجده يبحث عن الموضوع + الغلاف الجذاب وجودة الطباعة وخاصة إن كان الكتاب للإهداء فالهدية دائما تتطلب حسن الاختيار.

  • الشرارة الأولى:

كل عمل فني يتطلب ما يسمى الشرارة الأولى لتنطلق الأفكار، فماذا على المصمم أن يفعل عندما يطلب منه تصميم غلاف كتاب؟ ومن أين يبدأ؟ وكيف تتكون لديه الفكرة الأولى؟ هل يجب عليه أن يقرأه حرفا حرفا؟ ربما هذه طريقة تنفع مع الكتيبات الصغيرة، لكنها استثناء وليست قاعدة، لابتعادها تماما عن المنطق فيما يخص الكتب الكبيرة! إنما على المصمم أن تكون له صورة عامة عن الكتاب دون الخوض في تفاصيله وتلك الصورة يأخذها إما مباشرة عن المؤلف بحوار خفيف ذكي، أو عن طريق مراسلة كتابية، أو بالاطلاع على المقدمة أو حتى يكفي الاطلاع على النص الموجود غالبا خلف الكتاب بعنوان “عن الكتاب” أو “هذا الكتاب”، ما أود قوله أنه لا توجد قاعدة واضحة ودقيقة وإنما هناك حلول عديدة.

  • بحث واستلهام:

المرحلة الثانية تأتي بالشروع في العمل الأولي وهنا قد تكوّن لدى المصمم رصيد كاف عن الكتاب فقط عليه أن يتصفح بعض أعمال غيره حول “الموضوع” ولو لم تكن كتبا، عملية بحث سريعة في الأنترنت بأي لغة كانت (أنصح بالانجليزية)، يستجمع بها قواه، ويستلهم أفكارا من هنا وهناك ليضع نفسه في الصورة ويوجه تفكيره.

يحدث أثناء العمل أن تغور الأفكار وتجف، فأنصح بغلق الملف نهائيا والعودة إليه لاحقا حينما يكون العقل خصبا، مع تكرار عملية الاستلهام (لا التقليد الشكلي) أكثر من مرة.

  • الأهم: عنوان الكتاب!

أهم ما في غلاف الكتاب هو العنوان، فاحرص أن يجذب الناظر إليه من أول وهلة، ببساطته وسهولة قراءته، إن كان طويلا فاقسمه لسطرين ولا تحشره حشرا، كما لا تحاول أن تطبق فيه كل تنسيقات الفوتوشوب بالتأطير والتظليل والتدرج، وإنما كن حكيما واستعمل كل أداة في مكانها ووقتها، واجعل كل تنسيق إضافة فنية وليس العكس، المهم في الأخير لما يُرى الكتاب من بعيد يعرف عنوانه.

هناك من عناوين الكتب التي تدمج مع الخلفية بطريقة جميلة وهذه الخاصية تستعمل أكثر في الكتب ذات التخصصات العلمية والتقنية، أما الأدبية فتكون بأسلوب أقرب [للجدّية]، يعني بخط عربي عريق كالثلث أو الديواني أو الفارسي…إلخ، وهنا أنوّه لملاحظة دقيقة في ما يخص الكتب التاريخية فمن الأفضل استعمال الخط الذي يرمز لتلك المنطقة التي تناولها المؤلف، فمثلا عندما يكون لدينا كتاب تاريخي حول المغرب العربي فالخط المغربي أولى هنا من الفارسي والعكس صحيح، هي ملاحظة جانبية تتعلق بالذوق وربما هناك من يخالفني الرأي فيها، على كل تبقى محل نقاش.

  • عالم الألوان:

عملية اختيار اللون في غلاف الكتاب مثلها مثل الوسائل الدعائية الأخرى التي نقوم بتصميمها، فالفئة المستهدفة تلعب دورا كبيرا، وتخصص الكتاب، وجنس القارئ ذكرا كان أم أنثى أم لهما معا، وهذه المهارة تكتسب بالجولة الافتراضية التي ذكرتها قبل قليل، كأن نجد الكتب العلمية يغلب عليها الأبيض، والتاريخية البني والعنابي، والفلكية الأرزق والبنفسجي، مع إمكانية التحكم والمزج بين الألوان بحيث لا نضر بعلاقتها مع منحى الكتاب وإطاره.

  • نصائح تقنية:

يقاس غلاف الكتاب مفتوحا بوجهيه زيادة على سمكه إن كان عدد الصفحات كبيرا، ثم إضافة حواشي من كل أطرافه لتقطع لاحقا في المطبعة كآخر مرحلة قبل إصداره، لذا ينصح بترك مجال كاف بين النصوص وحدود الغلاف احتياطا كي لا تدخل حيز القطع وتحدث خللا يفسد العمل.

  • خطوة أخيرة:

تطبع عينة من غلاف الكتاب، لإلقاء نظرة أخيره عليه قبل إرساله للطباعة، أما فيما يخص عرضه على المؤلف أو الزبون، فيستحسن عرضه بشكل كتاب حقيقي باستعمال الأكشن (Action) المتوفر في الفوتوشوب، مما يقرب الواقع كثيرا، ويساهم في إرضاء الزبون بسرعة، لأنه أحيانا لا يتصور الغلاف لما يكون بصيغته النهائية كما يتصوره المصمم، مما يفتح له بابا من الغموض في بعض النقاط وكمثال ما تعلق بحجم الكتابة.

  • مسؤولية ثقيلة:

تصميم غلاف الكتاب تتويج لمجهودات كبيرة يقوم بها المؤلف، أراها مسؤولية ثقيلة على عاتق المصمم الذي عليه تتويج ذلك الجهد بلمسة فنية راقية يقرّ بها عين من سهر في سبيل التأليف أو التحقيق وحتى القراءة.

هذا ما يمكن قوله في تصميم أغلفة الكتب إجابة على استفسارات قد وصلتني من بعض القراء أرجو أن أكون قد أجبت عنها من خلال تجربتي القصيرة في المجال، ولمزيد من الاستفسارات المجال مفتوح إن شاء الله.