ارتبط مصطلح السياحة لدى الكثير من الناس بكل ما هو سلبي، حتى يمكن القول: كل ما هو حرام، بداية بالاختلاط غير المشروع إلى ما يرافق الفنادق من سهرات ماجنة وخمور وسفور وغيرها مما يجعلنا نعيد النظر كل مرة في هذا المصطلح البريء كل البراءة مما حمّل.

توالت الصرخات والنداءات لتفعيل السياحة في الجزائر، خاصة بعد استتباب الأمن ورجوع الطمأنينة من سنوات الجمر التي مضت والحمد لله، ندعو الله المزيد من الأمن والأمان وأن تكون تلك الأزمة زائلة بلا رجعة، هذه الصرخات لم تلق لحد الآن تحركات جدية ممن في يده الأمر، إلا في بعض المبادرات المحتشمة في الاتجاه غير الصحيح كذلك في نظري ونظر الكثير رغم أنها ذلك ممكن وممكن جدا.

هذا الاتجاه الذي تترجمه الحفلات الغنائية في مهرجانات سعيدة وتمقاد وجميلة وغيرها، كلها فسق وعهر من فنانات وفنانين محليين وغيرهم من العرب، وجدوا الجزائر بقرة حلوبا، فهم لا يترددون في خوض تجارب وجدوها ناجحة كل عام فحمّلوا الحقائب بالدولار والأورو وهم يترقبون الصيف بأحر من الجمر ليعيدوا الكرّة.

الوزارة عندنا وعملا بمقولة: “إذا رأيت الناس يعبدون الحمير فعليك بكثرة الحشيش” وجدت أن الشعب المسكين (الغلبان) تعب ومدمّر نفسيا، وعليها أن تسعى لإسعاده والترويح عنه فلجأت لتلك المنوّمات والمسكرات، ولا أنكر أن لها جمهورها الكبير الغافل، من النوع الذي يتبع الموجة أينما توجهت دون وازع ديني ولا أخلاقي، شباب وشابات يتراقصون ويتمايلون على أنغام ذلك وتلك دون وعي ولا همّ وأمام أنظار عائلاتهم (المحترمة جدا)!.

وكاستثمار لدور الفيسبوك قام مجموعة من الشباب الناشطين فيه بإنشاء صفحة تستنكر هذه التصرفات المتكررة كل مرة في سكون رهيب من السواد الأعظم للشعب، حيث كان التذمر فقط دون خطو خطوات فعالة. فالمليارات تصرف هناك دون وجه حق، لا دينيا ولا اجتماعيا ولا سياسيا ولا تجاريا، وأي تجارة تلك مع ما حرّم الله؟ لذلك كانت صفحة الحملة على الفيسبوك وقد أعطت لها جريدة الشروق وإن كانت (الراعي الرسمي للكثير من تلك التظاهرات!) دفعة قوية بالتطرق لها في عدد من أعدادها هذه الأيام.

السؤال المطروح؟ هل فعلا السياحة هي ما نشاهده؟ قطعا لا، فديننا يحثّنا كثيرا على السياحة والاكتشاف في إطار واسع جدا، إلا أنه قد وضع بعض الحواجز حفظا للدين والنفس والعقل والنسل والمال، فالشيطان يزيّن لنا تلك المحرّمات، ويخوّفنا بكونها مصدر رزق هام إن نحن تخلينا عنه كنا خاسرين تجاريا وغير مستمتعين نفسيا، وهذا وهم وقع فيه الكثيرون للأسف.

فيمكن أن تكون سياحتنا نظيفة ملتزمة وفي أعلى المقاييس، والأمثلة على ذلك حينما نكون في حج أو عمرة، أليس ذلك نوع من السياحة؟ أو حينما ننوي اكتشاف دولة كإيران، فالقوانين عندهم واضحة جدا، يلزمون كل زائر باتباعها مهما كانت مكانته واعتقاداته، الحجاب للمرأة، والاحتشام للرجل وهكذا… مع ذلك لديهم اقبال منقطع النظير بشهادة من زارها مؤخرا.

للسياحة أنواع متعددة جدا، تتجلى في محورين أساسيين، السياحة الداخلية أي ماكان داخل الدولة، والخارجية ما كان خارجها ومنها على سبيل المثال أذكر:

  • السياحة الدينية: ما كان تنقلا لزيارة أماكن مقدسة مثل: الحج والعمرة عندنا نحن المسلمون.
  • السياحة العلاجية: وهي حينما يتنقل المريض في زيارة بغرض العلاج الطبيعي في حمّام أو في مستشفيات ومركبات صحية معينة.
  • السياحة الاجتماعية: وهي ما يتم في جمعيات ومنظمات شبابية كالكشافة، وما يعرف عليها أيضا بالمخيمات، فالقائمون عليها ينظمون برنامجا محددا موحدا وفق أهداف معينة، كما تكون الأسعار رخيصة نوعا ما.
  • السياحة العلمية: وهي تعنى بحضور المؤتمرات العلمية وتعزيز العلاقات والشراكات، وكذا زيارة المكتبات أو الأماكن أثرية بغرض البحث والدراسة.
  • سياحة السفاري والمغامرات: وهي تلك الرحلات الصحراوية أو في الأدغال، ويمكن مشاهدتها في قناة ناشيونال جيوغرافيك.
  • السياحة الرياضية: الأسفار والتنقلات من مكان لآخر بغرض إجراء مسابقات أو دورات في رياضة ما، ويمكن أن يندرج تحتها حتى المشاهدة والمتابعة.

وتوجد أنواع أخرى لا يمكن حصرها كلها هنا، فالمجال واسع للبحث، إلا أن ما نستنتجه هنا، هو مقارنة هذه الأنواع مع ما نمتلكه في بلادنا من إمكانات، فلو نلاحظ دولا أخرى نجدها تتوفر على البعض مما ذكر، وتقفد البعض الآخر، حتى أن هناك منها من اجتهدت في سبيل توفير ما ليس لديها طبيعيا، فقامت بإنشائه اصطناعيا، والمثال على ذلك المساحات الخضراء المنتشرة في الخليج العربي، والقرية الثلجية في دبي، ألا يشعرنا هذا بشيء من الخجل على الأقل؟

النهوض بالسياحة ليس عمل الدولة فقط، وإنما هي إرادة شعبية تأتي بعد الاقتناع بجدوى ذلك أولا، فلا نريدها سياحة مميعة، كما الحال في الجارة تونس، مع احترامي الكامل لها (سيكون لي موضوع في هذا الشأن لاحقا)، وإنما على السائح أن يلتزم بما هو جزائري، وليس على الجزائري أن يفعل ذلك، مع شيء من التنازل من الطرفين طبعا، في حدود ما لا نضر بديننا ولا أعرافنا وتقاليدنا وبالتبع اقتصادنا، وللحديث بقية مع حلقات أخرى إن شاء الله.